كتب روجيه نهرا في “نداء الوطن”:
تشخص أنظار أبناء منطقة مرجعيون نحو المفاوضات المكوكية الدائرة منذ فترة بين القيادة السياسية في لبنان والمبعوث الأميركي توم براك، ما يحمله من اقتراحات وحلول، وما يحاك في الغرف السوداء، وربما من مشاريع تقسيم للمنطقة أو تغيير في وجهة وجغرافية قرى الشريط الحدودي والبلدات الملاصقة للحدود التي تفصل لبنان عن إسرائيل ولا سيما بلدات الوزاني كفركلا، عديسة، مركبا، حولا، ميس الجبل، بليدا.
وفي ظل هذه الأجواء الرمادية، يعيش أبناء القرى الأمامية الملاصقة للخط الأزرق والمدمرة كليًا وجزئيًا في وضع أمني صعب وبالغ الخطورة، من جراء الاستهدافات الإسرائيلية اليومية عبر مسيراتها وأحيانًا عبر طائراتها الحربية، ترصد تحركات المواطنين وكل ما تراه من أشخاص أو مجموعات، يشكل خطرًا على أمن مواطنيها ومستعمراتها.
لم يتغير الوضع المعيشي في بلدات قضاء مرجعيون الـ 32 قرية، بعد توقف الحرب في تشرين الثاني من العام 2024، الحركة الاقتصادية مشلولة، المحلات التجارية فارغة من زبائنها، المعامل الصناعية متوقفة، المشاريع السياحية والإنمائية وحتى المهن الحرة في حالة موت سريري بسبب استمرار الوضع الأمني الهش منذ أكثر من ثمانية أشهر، إضافة إلى حالة القلق لدى المزارعين والمستمرة، خوفًًًا من عودة الحرب ولغة المدفع.
ميس الجبل
كانت لـ “نداء الوطن” جولة على عدد من قرى المواجهة المتاخمة والبعيدة نسبيًا عن المستعمرات الإسرائيلية، بداية من ميس الجبل، وعلى الرغم من الظروف الصعبة والحالة الاقتصادية السيئة ورغم كل شيء بقي السكان في مدينة ميس الجبل متمسكين بالأرض والزرع والشجر، هذا ما أشار إليه رئيس البلدية حبيب قبلان في حديثه لـ “نداء الوطن” وقال:” عدد الأهالي في البلدة في ازدياد يومي، وأصبح عدد المقيمين في المدينة يتجاوز الـ 600 عائلة، أما بالنسبة الى وضع الكهرباء فموجودة في أكثر من منطقة، والعمل جارٍ على إصلاح ما دمر من جراء العدوان الإسرائيلي في البنى التحتية والمياه”.
وأضاف قبلان: “الوضع مستقر نسبيًا رغم بعض التحديات التي نواجهها يوميًا ونحن نعمل مع الجهات الحكومية المعنية لتثبيت الناس، وكل ما يحتاج إليه الأهالي أصبح متوفرًا وبخاصة المواد الغذائية واللحوم وغيرهما وكذلك الأفران والمطاعم والمقاهي وكل ما يحتاج المواطن يجده داخل البلدة، الوضع العام مريح نسبيًا ونحن كبلدية نعمل بجهد مستمر للحفاظ على بيئة نظيفة وخالية من النفايات، ورفعنا الردميات عن الطرقات، وأصبحت الشوارع مفتوحة أمام تنقلات المواطنين في أحياء المدينة كافة ونتمنى الخير للوطن واللبنانيين.
حولا
من ميس الجبل انتقلنا إلى بلدة حولا المدمرة بشكل كلي حيث قال رئيس البلدية علي ياسين: “من يدخل إلى المنطقة يظن أن المنطقة تعرضت إلى زلزال مدمر، منازل مدمره وطرقات كناية عن حُفر متفاوتة العمق، شبكة الكهرباء معدومة لا كابلات ولا أعمدة صالحة، وكذلك شبكة المياه دمرتها الحرب”.
وتابع رئيس البلدية: “رغم تدمير حوالى 600 منزل تدميرًا كليًا و1300 منزل تدميرًا جزئيًا وحرق وتخريب باقي منازل البلدة، فإن أهالي حولا الذين يعانون من مصاعب الحياة والتهجير إلى قرى الجوار والمنتشرين في شتى مناطق لبنان، تواقون إلى العودة وأن ما يقلقنا هو الوضع المزري للنازحين المنتشرين في قرى وبلدات خارج المنطقه، فهم يتحملون وزر إيجارات المنازل ومتطلبات الحياة مع عدم وجود فرص عمل وعدم الحصول على أي مساعدات مالية وعدم التعويض على ترميم أو إعمار منازلهم، كذلك لدينا في حولا ما يزيد على 230 أسرة عادت إلى البلدة أغلبها فقدت مواشيها وأتلفت مزروعاتها ولا حول ولاقوة لهم”.
العديسة
أما في بلدة العديسة المدمرة كمثيلاتها من قرى الجنوب الصامد، فقد عبّر رئيس بلديتها محمد رمال عن أمله في عودة الحياة إلى البلدة وقال: “بلدة العديسة كان لها النصيب الأكبر من الدمار، فكل شيء مدمر بدءًا من المبنى البلدي وآلياته وفراغ صندوقه. وأمل رئيس البلدية في أن تتحسن الحال وأن تفرج الدولة عن مستحقاتها قريبًا. وأشار إلى أن الوضع الأمني غير مضمون حتى الساعة وهو الرادع الأول بالنسبة إلى الناس الذين يريدون العودة إلى منازلهم وأرزاقهم. و”يبقى الأمل دائمًا على أن يعم الأمن والاستقرار في قرانا فنعود إلى حياتنا الطبيعية وتستمر الحياة من دون أي خوف وأن يذهب شبح الحرب دون رجعة”.
كفركلا
في بلدة كفركلا التي لم يبق فيها منزل أو محل أو مؤسسات فالوضع ما زال مأسوياً بامتياز وفقًا لما قاله لنا رئيس بلديتها حسن شيت، إذ لا توجد عائلات حاليًا سوى عائلتين تعيشان في البلدة إضافة إلى بعض العائلات في محيط البلدة بسبب عدم وجود منازل قابلة للسكن، ولا يزال الوضع الأمني متوترًا. وترتبط عودة الأهالي بتحسن الوضع ما يؤثر على إعادة الإعمار.
وأضاف شيت: “ما تقوم به البلدية في هذه الظروف الصعبة، وفي ظل الوضع المادي الصعب للبلدية، هو فقط متابعة أحوال أبناء البلدة. إن كفركلا وأهلها خلف الدولة والجيش الوطني”. متمنيًا “عودة أبناء البلدة إلى ديارهم لكي تعود الحياة ويعود الفرح والاستقرار والنمو”.
برج الملوك
إلى القرى البعيدة نسبيًا عن الحدود، الوضع غير مستقر كما يقول رئيس بلدية برج الملوك إيلي سليمان بسبب انعدام فرص العمل وعدم قدرة المزارعين على العمل في حقولهم كما تجري العادة، أضاف: “نحن بحاجة إلى الاستقرار الأمني على الحدود لكي تعود الحياة إلى طبيعتها ويعود الناس إلى أعمالهم. وتابع: “نظرتي إلى الواقع والمستقبل ضبابية جدًا نظرًا للتشنج السياسي بين الأطراف كافة إن كانت في السلطة أو خارجها أو على الحدود.
ونأمل من الدول العظمى فرض السلام بالسياسة. وإذا استدعى الأمر فالجيش اللبناني يستطيع حماية الحدود وضبط الأمن شرط التوافق على مبدأ حصرية السلاح في يد الدولة، والسلام تؤمنه الدول الكبرى بين كل الدول والجماعات المتحاربة”. وفي الختام أكد “وجوب أن يحل السلام لينتعش الجنوب ويعيش الجميع بهدوء وراحة البال”.
القليعة
رئيس بلدية القليعة حنا ضاهر قال، بلدة القليعة كسائر القرى الأمامية، تعيش اليوم مرحلة ما بعد الحرب، فهي تواجه تحديات متعدّدة تجعلها بأمسّ الحاجة إلى إصلاحات شاملة على مختلف الصعد ومنها الصحية حيث الحاجة ملحّة إلى تفعيل المستوصفات وتجهيزها بالأدوية والأطباء. وأما المدارس فهي بحاجة إلى دعم لإعادة انتظام العام الدراسي، وتوفير مقومات التعليم من كتب وتجهيزات، ودعم الأساتذة الذين يواجهون بدورهم ضغوطًا معيشية.
وعن المستقبل في بلدة القليعة قال ضاهر: “الوضع مرتبط بمدى قدرة الدولة على مواكبة هذه المناطق بخطط إنمائية جدّية، لا أن تُترك وحيدة بعد انتهاء المعارك. وتحتاج هذه الطموحات إلى رؤية واضحة ترتكز على إعادة إعمار البنى التحتية بما يؤمّن حياة يومية كريمة، ودعم القطاع الصحي لضمان خدمات أساسية متاحة للجميع. وتوفير مشاريع إنتاجية صغيرة تعيد الشباب إلى سوق العمل وتحدّ من البطالة، وتطوير القطاع التربوي ليبقى صامدًا أمام التحديات ويُخرّج أجيالًا متمسكة بأرضها”.